بطل العروبة والإسلام عقبة بن نافع

قلت في كتابي “قرطاجنة في أربعة عصور، تاريخ شمال أفريقيا قبل الإسلام”، المنشور سنة 1927م ما هذا نصه : 

“لقد كان البربر الناقمون يفتشون عن زعيم، فأعطاهم عقبة ذلك الزعيم”.

يومئذٍ أدرك عقبة غلطته وعلم أنه هالك لا محالة وسط تلك الجموع البربرية الرومية العظيمة وقد تجاوز عددها الخمسة آلاف، ولم يكن يدور في خلده أبداً وهو الأسد الهصور أن يستسلم هو وقومه للأسر، فعزموا جميعاً على الالتحام في معركة غير متكافئة نتيجتها الحتمية هي الموت المحقق والاستشهاد العظيم.

هنالك طلب عقبة من أبي المهاجر الحر الشريف أن يَنْسَلَّ من بين الصفوف وأن يلتحق بالقيروان ليتولى فيها إمارة المسلمين ويتدارك بسامي حكمته خطورة الموقف الرهيب. لكن تلك النفس العربية الأبية نسيت في ساعة الخطر ما لحق بها خلال سنة من مذلة وإهانة، وقال بنفس مطمئنة هادئة : لن أفر أمام الأعداء ولن أتركك وحدك في هذه الساعة الحرجة بل أبقى إلى جانبك لأذوق معك طعم الشهادة في سبيل الله، فلن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.

هنالك استل المجاهدون الأبرار سيوفهم ولثموا وجوههم واندفعوا بهمة من يريد الحياة الآخرة في الرفيق الأعلى، يخترقون صفوف الأعداء والموت يتلقفهم واحداً واحداً إلى أن تناولت كف الشهادة آخرهم وكان سن عقبة يومئذٍ 63 سنة.

يقول ابن خلدون: « وأجداث الصحابة بمكانهم من أرض الزاب لهذا العهد وقد جُعِل على قبورهم أسنمة ثم جصصت واتخذ على المكان مسجد عرف باسم عقبة وهو في عداد المزارات ومضان البركات بل هو أشرف مزور من الأجداث في بقاع الأرض لما توفى فيه من عدد الشهداء من الصحابة والتابعين الذين لا يبلغهم أحد.

Loading

Bookmark the permalink.

اترك تعليقاً