وإن المرء ليعجب كيف تدعى تلك المعركة –أو المذبحة بصفة أخص- بمعركة تهودا وأنتم تعلمون المسافة بين تهودا وبين هذا المكان، ولا بعقل إطلاقاً أبدا أن تنقل رفات المجاهدين الشهداء الأبرار من تهودا البعيدة لكي تدفن هاهنا، فلا ريب أن المقصود في كتب التاريخ هو الناحية لا البلدة، والأجدر بنا في كتابة تاريخنا الجديد، أن نقول : معركة سيدي عقبة، وهي على الناحية التي كانت تعرف بأرض تهودا.
ثم إن أغلب المؤرخين لتلك المعركة الرهيبة يقولون: إن أصحاب عقبة الأبرار قد استشهدوا في تلك المعركة جميعاً وهذا غلط، لأن بعضهم وقع على الأرض جريحاً فقط، ولم ينل الشهادة وأسر بعد ذلك وبقي بين يدي كسيلة وأصحابه إلى أن افتداهم ابن مصاد صاحب مدينه قفصة فبعث بهم إلى أصحابهم بالقيروان ومنهم الصحابيان الجليلان محمد ابن أوس الأنصاري، ويزيد بن خلف العبسي ونفر معهما.
بلغت تلك الأنباء مدينة القيروان فهالها الأمر وارتاعت لهول الحادثة. فقام في العرب خطيباً الوالي زهير بن قيس البلوى وقال : يا معشر المسلمين إن أصحابكم قد دخلوا الجنة فاسلكوا سبيلهم أو يفتح الله عليكم ! فخالفه في ذلك حنش بن عبد الله الصنعاني إذ علم أنه لا طاقة أبداً لمن بقي من المسلمين بمهاجمة جموع البربر والروم المنتصرين، ورأى أن النجاة بمن بقي من المسلمين أولى. فلبى القوم نداءه إلا القليل منهم، وخرج من بعدهم زهير مع آل بيته. وجاء كسيلة، وقد أصبح له شأن عظيم، فتسلم مدينة القيروان في المحرم من سنة 64 هـ (684 م) ولم يبق منها من العرب إلا أصحاب الذراري والأثقال، فآمنهم كسيلة وبقي أميراً على القيروان خمسة أعوام استعاد فيها الروم شيئاً من أنفاسهم، لكن الله يمهل ولا يهمل، فما كادت الأمور تستقر في المشرق من جديد بعد الفتنة التي أوقد نارها الحاطبون إثر موت اليزيد وما كاد الخليفة عبد الملك بن مروان يوطد في دمشق أمره ويستعيد هيبة الخلافة حتى بادر باختيار جيش عظيم وسيره إلى إفريقيا من جديد لكي يعيد فتحها وينصر من بقي بها من المسلمين، العرب والبربر.
وهكذا، وبعد خمسة أعوام فقط من استشهاد عقبة وأصحابه الميامين، جاء جيش القائد العظيم حسان بن النعمان وفي يمينه السيف، وفي صدره القرآن، وفي فكره هداية الإسلام، فحارب وانتصر، وأقر الله به أمر الإسلام وحكم الهدى اليقين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
وإنني لمقترح بهذه المناسبة على مجلس بلدية بسكرة المشكور على إقامة هذا الاسبوع الثقافي الجليل أن يطلق ابتداء من اليوم على الحديقة العامة ببلدة بسكرة وهي حديقة لاندو اسم حديقة الشهيد عقبة بن نافع رضي الله عنه وأرضاه.
إنكم سادتي وأبنائي لن تزالوا بخير ورفعة و سمو مستمر ما دمتم تذكرون أبطالكم وتمجدون شهداءكم وتحيون تاريخكم وتقومون أخلاقكم وما دمتم تصرخون كما صرخ من قبل آباؤكم : “الإسلام ديننا، الجزائر وطننا، العربية لغتنا” وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
والسلام عليكم ورحمة الله.
أحمد توفيق المدني