انتهت هذه المهمة الشاقة العنيفة التي اجتاز فيها عقبة وجاله الأبطال ما يزيد عن التسعة آلاف كيلومتر محاربين مجاهدين، وقد استغرقت من الزمن ما لا يماد يزيد عن سنة ! فقلما عرفنا في التاريخ غزوة عارمة متواصلة اخترقت مثل هذه المسافة الطويلة واستغرقت مثل هذا الوقت القصير.
هذه التفاصيل المذهلة المدهشة لم يذكرها أغلب المؤرخين إلا لماماً يقولون : إن عقبة اجتاز بلاد المغرب وحارب البربر إلى السوس ثم رجع أعقابه ؛ هكذا بمثل هذا الإيجاز المخل.
أخذ عقبة طريقه للرجوع بعد أن فتح البلاد ونشر الإسلام ووطد أركان الأمن والسلام، وسلك في رجوعه نحو القيروان طريق الأطلس الصحراوي، وكان يصحبه في كل هذه الملحمة الرهيبة كسيلة الملك البربري المهزوم وأبي المهاجر دينار الوالي المعزول المهان.
وشتان بين السياسيتين، سياسة أبي المهاجر، وهي تجمع بين الشدة والصرامة وبين اللين والمجاملة، وبين سياسة عقبة بن نافع وكلها صلابة وشدة مراس وقوة لا تلين. لقد كان عقبة حانقاً على كسيلة الملك البريري لأنه صحب أبي المهاجر وأخلص له، كما كان حانقاً على أبي المهاجر الذي أهانه بأمر من سيده مسلمة ووضعه في القيود، ولم يعلم – أو هو علم بعد فوات الوقت – أن كثرة الضغط توجب الانفجار وأن الاستهانة بكرامة الرجال تحدث في ساعة الحرج شر النكبات.