كان عقبة – حسبما يرويه التاريخ – يتعمد إهانة كسيلة ويستصغره أمام الناس، وكسيلة يتحمل ذلك على مضض، ويضمر في نفسه الإقدام على انتقام عظيم متى وتته لذلك الفرصة، إلى أن كان حادث ذبح الشاة التي طفح بها الكأس حين أمر عقبة كسيلة بذبح الشاة ليأكل منها مع ضيوفه متعمداً بذلك إهانته والازدراء به، فقام كسيلة بذبح الشاة وأخذ يمسح بدمها لحيته، فإذا سأله القوم عن هذا العمل، أجابهم بأن ذلك يقوي شعر اللحية.
لكن أحدهم قال لأصحابه : إن كسيلة يتوعدكم فاحذروا، فإن مسح اللحية بالدم هو التهديد والوعيد، إنما عقبة العظيم لم يأبه لذلك، واستمر على سيره نحو القيروان. واغتنم كسيلة أول فرصة سنحت له، فغادر عقبة وجنوده فاراً بنفسه إلى بني قومه مستصرخاً البربر والروم للأخذ بالثأر. وقد كان يعلم من أقوال عقبة وأوامره أنه سيمر في طريق الرجوع على معقل « تهودا »، فاتصل بقومه على أبعد مدى وتواعد معهم على اللقاء حوالي تهودا، وهكذا أصبح كسيلة بعد إسلامه وطول صحبته أداة رهيبة للانتقام وما أصعب ثورة الكرامة المهانة.
وصل عقبة مدينة بريكة فاستقر بها حيناً وقد أمن على نفسه وجماعته، فأمر جنده القوي باستئناف المسير نحو القيروان وعلى رأسهم هنالك زهير بن قيس البلوى. ولم يبق عقبة معه إلا زهاء الثلاث مائة رجل، أما الجيش، فقد وصل القيروان بسلام، وأما عقبة العظيم، فما كاد يصل ناحية تهودا حتى وجد نفسه محاطا بأقوام أشداء يحدوهم حب الانتقام، وتغلى في صدورهم مراجل الحقد وقد دانوا بطاعة كسيلة واعترفوا له بسابقة ملكه وأطاعوه وأخلصوا في طاعته.