صورة ونص مقال اﻷمير شكيب أرسلان عن “كتاب الجزائر” لأحمد توفيق المدني في مجلة الفتح لمحب الدين الخطيب

صورة رأس المجلة من العدد الذي صدر به مقال اﻷمير شكيب

صورة من مجلة الفتح لمحمد كرد علي

صورة المقال الصادر بتاريخ  3 ذو القعدة 1350 / 10 مارس 1932م

مقال اﻷمير شكيب أرسلان حول كتاب الجزائر

نقل أحد القراء الكرام جزاه الله خيرا المقال من الصورة أعلاه وهذا نصه كاملا:

 

من أحسن ما أخرج في هذا العصر (كتاب الجزائر) للأستاذ بحق السيد أحمد توفيق المدني أكثر الله في الإسلام من أمثاله.
أحصى المؤلف في هذا الكتاب المبين كل ما تلزم معرفته من أمور الغرب الأوسط من تاريخ وجغرافية وإدارة واجتماع واقتصاد وغير ذلك بعبارة سهلة سائغة بليغة جامعة لا تمل بإطناب ولا تخل بإيجاز ولا اقتضاب. فإن كان كتاب حديث لائقا بالقنية، وجديرا بأن يقال أنه ليس عنه غنية، فهذا الكتاب ومن تأمل في أنظمة الجزائر والقوانين التي تسير عليها السلطة الافرنسية في ذلك القطر علم مقدار الظلم والعسف الواقعين على أهاليه المسلمين وفهم كيف يكال بمكيالين ويوزن بميزانين بينهم وبين الأوربي وأدرك غور الدسائس والمكايد التي أودعها المستعمرون في أصلاب قوانينهم ليقضوا على كل شيء إسلامي في ذلك القطر ماديا كان أو معنويا. ذكر السيد المدني هذه القوانين وهذه الأنظمة كما هي عليه نقلا عن دستور الجزائر فلم يزد عليها شيئا ولم يعلق من الملاحظات في هذا الباب إلا إشارات كلمح البصر. فالمسلمون لا يدينون فرنسا إلا من نفس قوانينها ولا يضيفون شيئا على ما تعلنه هي أنه مدار عملها في الجزائر. ولا يجدون حاجة للشرح والتعليق لأن نصوص القوانين الافرنسية المبنية من أولها إلى آخرها على إرادة تجريد المسلمين من كل شيء ينفعهم هي كافية وافية لا تحتاج إلى الإيضاح بذيول ولا بهوامش.
فليقرأ القارىء هذه القوانين التي تسنها دولة زاعمة أنها في مقدمة الدول المتمدنة وليقايسها بشريعة الإسلام فيما تعامل به أهل الذمة.. فعند ذلك لا مناص له من أن يقول: وحسبكم هذا التفاوت بيننا … وكل إناء بالذي فيه ينضح
ومن أغرب الغرائب عقلية الافرنسيس الذين يسنون هذه القوانين ويحكمون هذه الأحكام ويسمون كل من ينقلها عنهم بنصها وفصها عدوا لهم. فكأنهم يريدون أن يسنوا هذه المظالم كلها قوانين وأن يجروها بالفعل بإضعاف ما فيها من الظلم – لأن أفعالهم في الجزائر أشنع من الأقوال وتطبيق قوانينهم أفحش بكثير من نصوصها – وأن لا يتكلم عنها أحد بشيء بل يتركها مسكوتا عنها مطوية على غرها فإذا ذكرها ذاكرا أو أشار إليها أو نقلها مجرد نقل صاحوا من كل جهة: – هذا عدو فرنسة!
والحال أن العدو لفرنسة إنما يريد أن يستمر على هذه السياسة وأنه ما ينبهها إلى ما فيها من العدوان إلا مريد الخير لها.
يا أيها القوم إن كنتم تعلمون أن نشر هذه الحقائق مما يؤذيكم فلماذا ترتكبون ما يؤذيكم نشره؟
وإن كنتم ترون هذه القوانين التي تختصون بمظالمها المسلمين هدما للإسلام وإبادة لمن يتمسكون به قوانين عادلة لا غبار عليها فلماذا تغضبون على من يترجمها إلى العربية أو ينشر هذه الفضائح ولو بدون تعليق. يريدون أن يظلموا ولكنهم لا يريدون أن يسمعوا أنين المظلومين ولا أن يدعوا أحدا في مكان آخر يسمع هذا الأنين. وهذا من أغرب عقليات العالمين.
شكيب أرسلان

Loading

Bookmark the permalink.

اترك تعليقاً